سورة الشعراء - تفسير تفسير أبي السعود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الشعراء)


        


{قَالُواْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ} أخِّر أمرهما، وقيل: احبسهُما {وابعث فِى المدائن حاشرين} أي شُرَطاً يحشرُون السَّحرةَ.
{يَأْتُوكَ} أي الحَاشرون {بِكُلّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ} فائقٍ في فنِّ السِّحرِ، وقرئ: {بكلِّ ساحرٍ}.
{فَجُمِعَ السحرة لميقات يَوْمٍ مَّعْلُومٍ} هو ما عيَّنه مُوسى عليه السَّلامُ بقوله: {مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزينة وَأَن يُحْشَرَ الناس ضُحًى} {وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُمْ مُّجْتَمِعُونَ} قيل لهم ذلك استبطاءً لهم في الاجتماعِ وحثّاً لهم على المُبَادرة إليه.
{لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السحرة إِن كَانُواْ هُمُ الغالبين} أي نتبعهم في دينِهم إنْ كانُوا هم الغالبين لا مُوسى عليه السَّلامُ وليس مرادُهم بذلك أنْ يتَّبعوا دينَهم حقيقةً وإنَّما هو أنْ لا يتَّبعوا مُوسى عليه السَّلامُ لكنَّهم ساقُوا كلامَهم مساقَ الكنايةِ حَمْلاً لهم على الاهتمامِ والجِدَّ في المُغالبة.
{فَلَمَّا جَاء السحرة قَالُواْ لِفِرْعَوْنَ إئِنَّ لَنَا لاجْرًا} أي أجراً عظيماً {إِن كُنَّا نَحْنُ الغالبين} لا مُوسى عليه السَّلامُ.
{قَالَ نَعَمْ} لكُم ذلك {وَإِنَّكُمْ} مع ذلك {إِذاً لَّمِنَ المقربين} عندي قيل قال لهم تكونُون أوَّلَ من يدخلُ عليَّ وآخرَ مَن يخرجُ عنِّي، وقرئ: {نعِم} بكسرِ العين وهُما لغُتانِ.
{قَالَ لَهُمْ موسى} أي بعدما قالَ له السَّحرةُ إمَّا أنْ تلقيَ وإمَّا أنْ نكونَ أوَّلَ منَ ألقَى. {أَلْقُواْ مَا أَنتُمْ مُّلْقُونَ} ولم يُرد به الأمرَ بالسِّحرِ والتَّمويهَ بل الإذنَ في تقديمِ ما هُم فاعلُوه البتةَ توسُّلاً به إلى إظهارِ الحقِّ وإبطالِ الباطلِ.
{فَأَلْقَوْاْ حبالهم وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُواْ} أي وقد قالُوا عند الإلقاءِ {بِعِزَّةِ فِرْعَونَ إِنَّا لَنَحْنُ الغالبون} قالُوا ذلك لفرطِ اعتقادِهم في أنفسِهم وإتيانِهم بأقصى ما يُمكن أنْ يُؤتى به من السِّحرِ.


{فألقى موسى عصاه فَإِذَا هِىَ تَلْقَفُ} أي تبتلعُ بسرعةٍ. وقرئ: {تلقَّفُ} بحذفِ إحدى التاءينِ من تَتَلقَّفُ {مَا يَأْفِكُونَ} أي ما يقلبونَهُ من وجهه وصورتِه بتمويههم وتزويدِهم فيخيِّلُون حبالَهم وعصيَّهم أنَّها حيَّاتٌ تسعى أو إفكهم تسميةً للمأفوكِ به مبالغةً.
{فَأُلْقِىَ السحرة ساجدين} أي أثرَ ما شاهَدوا وذلك من غيرِ تلعثمٍ وتردُّدٍ غير متمالكينَ كأنَّ مُلقياً ألقاهُم لعلمِهم بأنَّ مثلَ ذلك خارجٌ عن حدودِ السِّحرِ وأنه أمرٌ إلهيٌّ قد ظهر على يدهِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ لتصديقه، وفيه دليلٌ على أنَّه قصارَى ما ينتهِي إليه هممُ السَّحرةِ هو التَّمويهُ والتَّزويرُ وتخييلُ شيءٍ لا حقيقةَ له.
{قَالُواْ ءامَنَّا بِرَبّ العالمين} بدلُ اشتمالٍ من أُلقي أو حالٌ بإضمارِ قَدْ وقوله تعالى: {رَبّ موسى وهارون} بدلٌ من ربِّ العالمين للتَّوضيحِ ودفعِ توهم إرادةِ فرعونَ حيثُ كان قومُه الجَهَلةُ يسمُّونَهُ بذلك وللإشعارِ بأنَّ الموجبَ لإيمانِهم به تعالى ما أجراهُ على أيديهما من المُعجزةِ القاهرةِ.
{قَالَ} أي فرعونُ للسَّحرة {ءامَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ ءاذَنَ لَكُم} أي بغيرِ أنْ آذنَ لكُم في قولِه تعالى: {لَنَفِدَ البحر قَبْلَ أَن تَنفَدَ كلمات رَبّى} لا أن الإذن منه ممكنٌ أو متوقَّعٌ {إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الذى عَلَّمَكُمُ السحر} فتواطأتُم على ما فعلتم أو علَّمكم شيئاً دُونَ شيءٍ فلذلك غلبَكم أرادَ بذلك التَّلبيس على قومِه كيلا يعتقدُوا أنَّهم آمنُوا عن بصيرةٍ وظهورِ حقَ وقرئ: {أأمنتُم} بهمزتينِ {فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} أي وبالَ ما فعلتُم وقوله: {لاقَطّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مّنْ خِلاَفٍ وَلاَصَلّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ} بيانٌ لما أوعدهم به.
{قَالُواْ} أي السَّحرةُ {لاَ ضَيْرَ} لا ضررَ فيه علينا وقولُه تعالى: {إِنَّا إلى رَبّنَا مُنقَلِبُونَ} تعليلٌ لعدم الضَّيرِ أي لا ضيرَ في ذلك بل لنا فيه نفعٌ عظيمٌ لما يحصلُ لنا في الصَّبرِ عليه لوجهِ الله تعالى من تكفيرِ الخَطَايا والثَّوابِ العظيم، أو لا ضيرَ علينا فيما تتوعَّدنا به من القتلِ أنه لا بُدَّ لنا من الانقلابِ إلى رَّبنا بسببِ من أسبابِ الموتِ، والقتلُ أهونُها وأرجاها.
وقولُه تعالى: {إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خطايانا أَن كُنَّا} أي لأن كنا {أَوَّلُ المؤمنين} أي من أتباعِ فرعونَ أو من أهل المشهدِ تعليل ثانٍ لنفي الضَّيرِ أي لا ضيرَ علينا في قتلِك إنَّا نطمعُ أنْ يغفرَ لنا ربُّنا خطايانا لكونِنا أوَّلَ المُؤمنين. وقرئ: {إِنْ كُنَّا} على الشَّرطِ لهضمِ النَّفسِ وعدم الثَّقةِ بالخاتمة أو على طريقةِ قول المُدلِّ بأمرِه كقول العاملِ لمستأجرٍ أخَّر أجرتَه إنْ كنتُ عملتُ لك فوفِّني حقِّي.


{وَأَوْحَيْنَا إلى موسى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِى} وذلك بعد بضعِ سنينَ أقامَ بين أظهُرِهم يدعُوهم إلى الحقِّ ويُظهر لهم الآياتِ فلم يزيدُوا إلاَّ عُتُوَّاً وعناداً حسبما فُصِّل في سورة الاعراف بقوله تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا ءالَ فِرْعَوْنَ بالسنين} الآيات. وقرئ: بكسر النون ووصل الألف من سرى، وقرئ: {أنْ سِرْ} من السير. {إِنَّكُم مّتَّبِعُونَ} تعليلٌ للأمرِ بالإسراءِ أي يتبعكُم فرعونُ وجنودُه مصبحينَ فأسرِ بمَن معك حتَّى لا يُدركوكم قبل الوصولِ إلى البحرِ فيدخلُوا مداخلَكم فأُطبقَه عليهم فأُغرقَهم.
{فَأَرْسَلَ فِرْعَونُ} حين أُخبر بمسيرهم {فِى المدائن حاشرين} جامعينَ للعساكرِ ليتبعُوهم.
{إِنَّ هَؤُلآء} يريدُ بني إسرائيلَ {لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ} استقلَّهم وهم ستمائة ألفٍ وسبعونَ ألفاً بالنسبةِ إلى جُنوده إذْ رُوي أنَّه أرسل في أثرِهم ألفَ ألفَ وخمسمائةِ مَلكٍ مُسوَّرٍ مع كل مَلِكٍ ألفٌ وخرجَ فرعونُ في جمعٍ عظيم وكانت مقدِّمتُه سبعَمائة ألفِ رجلٍ على حصان وعلى رأسِه بيضةٌ وعن ابن عبَّاسٍ رصى الله تعالى عنهما خرجَ فرعونُ في ألفِ ألفِ حصانٍ سوى الإناثِ.
{وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ} أي فاعلون ما يغيظُنا.
{وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذرون} يريدُ أنَّهم لقلَّتهم لا يُبالى بهم ولا يتوقَّع غلبتَهم وعلوَّهم ولكنَّهم يفعلون أفعالاً تغيظُنا وتضيق صدورَنا ونحن قومٌ من عادتنا التَّيقُّظُ والحذرُ واستعمالُ الحزمِ في الأمورِ فإذا خرجَ علينا سارعنا إلى إطفاءِ ثائرةِ فسادِه، وهذه معاذيرُ اعتذر بها إلى أهلِ المدائن لئلاَّ يُظنُّ به ما يكسر من قهرهِ وسلطانه. وقرئ: {حَذِرون} فالأوَّلُ دالٌّ على التَّجدُّدِ والثَّاني على الثَّباتِ وقيل: الحاذرُ المؤدِّي في السِّلاحِ. وقرئ: {حادِرون} بالدَّالِ المُهملة أي أقوياءُ وأشدَّاءُ وقيل: مدجَّجون في السِّلاحِ قد أكسبَهم ذلك حدارةً في أجسامِهم.
{فأخرجناهم} بأن خلقنا فيهم داعيةَ الخروجِ بهذا السَّببِ فحملتهم عليهم {مّن جنات وَعُيُونٍ * وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ} كانت لهم جملة ذلك.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8